Géographie & Aménagement

الجغرافيا والتهيئة Géographie et Aménagement

Post Top Ad

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

إشكالية تنظيم واستغلال الملك العمومي الحضري  بالمراكز الحديثة النشأة   (الجزء الثالث)


إشكالية تنظيم واستغلال الملك العمومي الحضري
 بالمراكز الحديثة النشأة
 بلدية بومالن دادس نموذجا (إقليم تنغير)

الجزء الثالث

II- العوامل المساهمة في بروز الاختلالات المجالية بالجماعة الترابية لبومالن دادس

قبل الحديث عن احتلال الملك العمومي الذي يعد مظهرا من مظاهر العشوائية بمركز المدينة، لابد أولا من إبراز مجموعة من العوامل المساهمة في ظهور مجموعة من الاختلالات المجالية، منها ما هو مرتبط بعامل الطبوغرافية نظرا لوجود مركز المدينة على سفح الوادي، ومنها ما له علاقة بتعقد الوضعية العقارية، لكن هناك عامل أساسي يتمثل في عدم احترام وتطبيق مقتضيات قوانين البناء وتصورات وثائق التعمير.

1- الوضعية العقارية ببلدية بومالن تُعيق عمليات توسع المدينة

للأنظمة العقارية دور مهم وحاسم في تشكيل وتطور المدن والحواضر كيفما كان حجمها، لأنها تعتبر من العناصر الأساسية ذات الوقع القوي على برامج التهيئة العمرانية باعتبارها مفتاحا للتعمير (Mauret Elie, 1974).  ولهذا عند أية دراسة تهم إشكالية تنظيم واستغلال الملك العمومي الحضري، لابد من أخذ الوضعية العقارية بعين الاعتبار. ومن ثمة فإن حالة بومالن دادس، تطرح بحدة مشكل العقار، ليس بسبب انعدام أو قلة الأراضي الصالحة للبناء، بل بالعكس من ذلك، فبجوارها منبسط هضبي أو ما يعرف بهضبة أنبد، التي تتوفر فيها كل الشروط الضرورية لجلب الاستثمارات وفتح مشاريع سكنية وتنموية، قد تساهم في توجيه التعمير بشكل صحيح. لكن المشكل يكمن في هيمنة الأراضي السلالية (أراضي الجموع) من جهة، ومن جهة أخرى نجد أراضي مهمة تابعة للمؤسسة العسكرية،[1] وبالتالي يصعب على المجلس البلدي توفير كل حاجياته من العقار، لأن اقتناءها يصطدم ببطء وتعقد المساطر الإدارية. وهذه من الأسباب التي تدفع إلى تركز مختلف الأنشطة بوسط المدينة وبشكل عشوائي، ولو على حساب فضاءاتها العمومية.

2- العامل الطبوغرافي وعلاقته بإشكالية تنظيم الملك العمومي الحضري

في ظل التوسع العمراني الذي شهده المركز الحضري بومالن دادس، فإن مجموعة من الأحياء من قبيل حي النهضة والمسيرة والتقدم، التي تُعد بمثابة النواة الأولى للمدينة والقلب الحيوي المحتضن لمختلف الأنشطة الاقتصادية والخدماتية، امتدت بشكل شبه تلقائي في مجال طبوغرافي معقد، أي على منحدر  يُعد بمثابة سفح الوادي، والذي يشغل أزيد من ثلث المساحة الإجمالية للجماعة (جدول رقم1)، والشكل رقم (7) يوضح ذلك.

والإشكال المطروح في هذه الحالة هو أن هذا المنحدر هو الذي يضم مركز المدينة بكل مكوناتها: السوق القديم، وشارع محمد الخامس، وشارع المرابطين، ومحطة سيارات الأجرة، والمحلات التجارية والخدماتية، والمقاهي... بالإضافة إلى جزء هام المباني السكنية المنتشرة على طول السفح، مما أنتج مجالا حضريا يتميز بانسياب المباني والأنشطة بشكل شبه عفوي، قاسمه المشترك هو الاستغلال العشوائي والمفرط للملك العمومي، يجعل مركز المدينة عقيما لا يستجيب لمعايير التهيئة الحضرية.

شكل رقم7: مقطع طبوغرافي لوادي دادس عند مركز مدينة بومالن دادس






وخلاصة القول، فإن الشكل رقم (8) يلخص أهم العوامل المساعدة على بروز الاختلالات المجالية وعلاقتها بتوسع الأنشطة العشوائية خاصة منها التجارية، وأثر ذلك على مستوى الدينامية المجالية ببومان دادس.



شكل رقم 8: العوامل المساهمة في توسع الاختلالات المجالية وأثرها على الدينامية المحلية






يخلق كل ذلك وضعا مختلا ميزته الأساسية العشوائية في انتشار المباني والأنشطة، التي تمتد في غالبيتها على حساب الملك العمومي البلدي، وفي هذا الصدد يمكن اقتراح بعض الحلول التي من شأنها الإسهام في حل هذه المعضلة.

III - اقتراحات وتوصيات

إن ظاهرة التجارة غير المموقعة ليست إشكالية معزولة تنتهي بطرد الباعة المتجولين في الأماكن العمومية، بل هي إشكالية معقدة ومتشعبة تتداخل فيها مجموعة من العوامل: التنظيمية، والقانونية، والاقتصادية، والأمنية، والسياسية، والاجتماعية، وكذلك الطبيعية (الشكل الطبوغرافي...)، ثم الوضعية العقارية، لذا فلتدبير هذا الإشكال يقتضي وضع استراتيجية بَيْقطاعية وشاملة، تأخذ بعين الاعتبار هشاشة مصالح مختلف المعنيين. وللمساهمة في هذا النقاش نقترح مجموعة من الحلول:

- معالجة شمولية لمختلف الاختلالات المحلية، انطلاقا من تشخيص ترابي دقيق يأخذ بعين الاعتبار الوضعية البيئية للواحة؛

- العناية بالإشكالية العقارية، وذلك بالحسم في تصفية قانونية لجزء كبير من الأراضي بهضبة "أنبد" لتحديد طبيعتها ووضعيتها العقارية؛

- إيجاد حلول للأراضي العسكرية في إطار التوافق، حتى تتمكن البلدية من توفير متنفس جديد للمدينة، على غرار التجزئات السكنية المنجزة (أداك ودادس) وأخرى في طور الانجاز (القصور...)؛

- تشجيع وتحويل مختلف الأنشطة من المركز القديم (السوق القديم) نحو هضبة "انبد" لامتصاص الضغط على وسط المدينة، وخلق رواج اقتصادي، وحل إشكالية الاستغلال الفوضوي الملك العمومي؛

- دعم جمعيات الباعة المتجولين وتوفير الإمكانيات اللازمة لها من اجل دمجها في القطاع التجاري، لجعله في مركز القوة ورافعة للتنمية المحلية بعيدا عن المزايدات الانتخابية.

- ضبط التخطيط العمراني، وهيكلة المدينة وفق تصورات علمية تُستنبط من المشروع الترابي للجماعة.

- تأهيل شارعي محمد الخامس والمرابطين، وإعادة إنجاز الأرصفة كما كانت في تصميم تهيئة المدينة لسنة 1999، مع إلزام أصحاب المحلات باحترام المساحة القانونية لأملاكهم.

- ربــط ضفتي واد دادس بمعابر طرقية وقناطر جديدة، وتعبيد المسالك الطرقية لرفع الضغط على الطريق الرئيسية رقـــــم 10.



خاتمة

تُعد مدينة بومالن دادس بمثابة نموذج مصغر للمشهد الحضري بجل المدن المغربية الذي تؤثثه العديد من المظاهر السلبية، منها احتلال الملك العمومي، سواء من قبل الباعة المتجولين بجميع أصنافهم (فراشة، وشاحنات، وعربات مدفوعة ومجرورة...)، أو من قبل أصحاب المحلات التجارية والمقاهي وغيرها.... وقد ساهمت في خلق هذه الوضعية عناصر مهيكلة أخرى، نذكر منها تعقد الوضعية العقارية لأراضي، مما يؤثر في توجيه التعمير وعلى مستقبل وتنظيم الملك العمومي الحضري، الأمر الذي يفرض على المعنيين بالأمر تجارا وسلطة منتخبة ومحلية والجمعيات وغيرهم... وضع استراتيجية شمولية وتشاركية ذات أبعاد مجالية واقتصادية واجتماعية، يمكن أن تساهم في تصحيح الوضع، وإلا ستكبر هذه المراكز الصغيرة وتكبر معها الإكراهات التنظيمية، خاصة تلك التي تتعلق بتدبير واستغلال الملك العمومي.

وعموما، فإن تنظيم استغلال الملك العمومي كيفما كان نوعه أو موقعه، يتطلب توفر الإرادة السياسية لدى النخب، ثم الإمكانيات الاقتصادية لإنشاء مشاريع حضرية تزيد من جمالية المدن، تُحس من خلالها الساكنة بالكرامة والمواطنة الكاملة.



لائحة المراجع

- أقديم إبراهيم، 2012، توازنات الواحات المغربية و آفاق تنميتها: مقاربة تأليفية، مجلة جيومغرب العدد 8، ص.ص. 1-23.

- رافع عبد الوهاب، 1999، أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى. ص. 248.

- الميثاق الجماعي غشت 2011، إصدارات مركز الدراسات والابحاث الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو، وزارة العدل، سلسلة نصوص قانونية العدد 5، ص99.

- العزوزي عبد الاله، 2009، من أجل مقاربة شمولية لظاهرة الباعة المتجولين بالقنيطرة، جريدة الاتحاد الاشتراكي، يوم 06-01-2009.

- تصميم التهيئة لبلدية بومالن دادس، 1999، مقياس 10.000/1.

- خريطة جيولوجية صاغرو دادس مقياس200000/1.



-DTPMB, (2010), Diagnostic Territorial Participatif de la municipalité de BOUMALNE DADES, p66.

-MAURET Elie, (1974), Pour un équilibre des villes et des compagnes, Dunod, Paris. P242.





[1]- الأراضي العسكرية : تتوزع على ثلاث مناطق فوق هضبة أنبد: الأولى تضم الثكنة التي أنشأت منذ سنوات الاستعمار المحاذية لمركز الدائرة (مكتب الشؤون الأهلية في فترة الاستعمار)، والثانية تشمل المهبط الترابي للطائرات حيث تم بناء ثكنة جديدة بها، ثم منطقة ثالثة تعتبر حقلا للرماية في الجهة الشمالية من تراب الجماعة.



أبوبكر صابري و مصطفى اعفير و عبد الغني كرطيط، 2014، إشكالية تنظيم واستغلال الملك العمومي الحضري بالمراكز الحديثة النشأة بلدية بومالن دادس نموذجا (إقليم تنغير). منشورات الملتقى الثقافي لمدينة صفرو في دورته الفضية (الدورة الخامسة والعشرون ) الاستغلال غير القانوني للملك الجماعاتي العمومي 25 و 26 ابريل  2014، ص-ص 191 – 208


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad