Géographie & Aménagement

الجغرافيا والتهيئة Géographie et Aménagement

Post Top Ad

الجمعة، 15 ديسمبر 2017

الجهة الجديدة درعة تافيلالت : مدخل الى تأهيل واحات الجنوب الشرقي

الجهة الجديدة درعة تافيلالت :

مدخل الى تأهيل واحات الجنوب الشرقي

تعُود أوّل تجربة جهوية ذات بُعد مؤسساتي بالمغرب، إلى سنة 1971 التي عرفت إصدار ظهير ، كإطار مرجعي لإحداث سبع جهات اقتصادية، تعمل على تنمية مختلف المناطق على المستوى الإقتصادي وتذويب التمايُز المجالي الذي كرّسه المستعمر ، إلا أن الهاجس الأمني كان هو الطاغي على كل مقاربات التقسيم الإداري محليا و جهويا.
قِصر تقسيم سنة 1971 في تحقيق التنمية الاقتصادية،  بل و أدّى إلى هيمنة محور الدار البيضاء-القنيطرة على باقي المناطق، مما اظهر عيوب كثيرة وفوارق مجالية في توزيع التجهيزات و الخدمات العمومية و استقطاب الفاعلين الاقتصاديين ، بالإضافة الى تركّز مهم للسكّان ، وما يرافق ذلك من تباين صارخ على مستوى عيشهم. في ظل هذه الوضعية ومن اجل تصحيح هذه الإختلالات عمل المغرب على اعتماد تقسيم جهوي جديد سنة 1997 افرز تقطيعا جديدا قسّم المغرب إلى 16 جهة. ارتكز على ثلاث معايير هي؛ التجانس و التكامل الطبيعي و البشري، ومعيار التكامل الوظيفي ثم المعيار السياسي و الجيوستراتيجي. ويعتبر التدبير الترابي في الجهة بمثابة جماعة محلية ووحدة ترابية تتمتع بالاستقلال المادي و الإداري في تدبير شؤونها ، كما تعد قاعدة لسياسة إعداد التراب الوطني.
بعد التجارب السابقة في التنظيم الجهوي، تمّ تبني تقسيم جديد سنة 2015،  يقوم على الجهوية المتقدمة كما نص على ذلك دستور البلاد لسنة 2011 ، حيث أضحى المغرب بموجبها مقسم إلى 12 جهة ، مُنحت من خلالها اختصاصات كبيرة لمجالس الجهات،  بهدف تجاوز نقائص التجارب السابقة في أفق تحقيق حكامة حقيقية ترتكز على بعد تنموي حقيقي ، محوره الإنسان في تعدده واختلافه الثقافي.
وفق هذا التقسيم الجهوي الجديد، أحدثت جهات جديدة لأول مرة ، منها الجهة رقم 8 درعة تافيلالت،  التي كانت أقاليمها موزعة بين جهات أخرى (مكناس تافيلالت ، سوس ماسة درعة)،  يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 2014 حوالي 1635008 نسمة ومساحة تصل إلى 132137 كلم2 تقريبا ، فهي جهة وان كانت تتوفر على موارد مجالية مهمة، إلاّ أنها تعاني من عدة إكراهات تتمثل أساسا في نقص في الموارد المائية، ونقص في التجهيزات والبنيات التحتية والمؤسسات  العمومية ( الصحة ، التعليم ...) و ارتفاع نسبة الفقر، وغيرها من الإكراهات التي تراكمت بفعل هيمنة الأقطاب الجهوية (مراكش، أكادير، مكناس) في التقسيمات السابقة، و تأثير هذا الأمر بشكل سلبي على مؤشرات التنمية بهذه المناطق الهامشية.
الملاحظ أن خاصية التجانس والتقارب على عدة مستويات ، هي مميزات الأقاليم المشكّلة لجهة درعة تافيلالت، نجد سيادة نفس الخصائص على مجمل التراب الجهوي، على المستوى الطبيعي و البيئي والبشري و الثقافي وغيرها من الخصائص التي تنمّ عن تجانس سيساعد في تدبير شؤون الجهة، التي تعرف انتشارا واسعا للأنظمة الواحية ، وتحتضن موروث ثقافي و حضاري عريق، نذكر على سبيل المثال، سيادة نفس نمط التعمير (القصور و القصبات)، بالإضافة إلى كون الشبكة الحضرية بالجهة تتشكل من مدن في نفس الحجم تقريبا (مدن صغيرة ، ومراكز حضرية ناشئة) متمركزة بهوامش الواحات ، كما أنها تشكلت في نفس الظروف التاريخية (مراكز عسكرية خلال فترة الاستعمار) .
يتطلب رهان الجهوية التعامل مع التراب الجهوي بمنطق التكامل و التمييز الايجابي بين مناطق الجهة، و عدم تركيز المشاريع السوسيو-اقتصادية بالأقطاب الحضرية وتهميش المراكز الصغيرة و المجالات القروية، هذا لعدم تكرار نفس التجارب السابقة التي عملت على تطوير مناطق على حساب أخرى، و تهميش مناطق أخرى بقصد أو بغير قصد، لأنّ منطق تركيز مشاريع التنمية بمناطق بعينها لن يحقق التنمية المرجوة و ما التجارب السابقة إلاّ دليل على فشل هذه المقاربة. إعتمادا على ذلك، يستوجب على الجهة كجماعة ترابية، العمل على إيجاد شروط نجاح تدخلاتها، و ذلك بتحسيس الفاعلين في ميدان التنمية و مناقشة عقد التشارك بينهم و كذلك تنسيق المجهودات لمتابعة و تقييم نتائج هذه المشاريع (الفسكاوي إبراهيم، 2008)، نجاح الجهة في تدبير مجالها الترابي رهين بالتوزيع الجيد للموارد، لتشمل تدخلاتها كامل التراب الجهوي، و تحفيز العنصر البشري ليكون شريك في التنمية وفاعل فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار هشاشة الوسط المحلي وحساسيته البيئية المفرطة مع أي تدخل غير سليم في سير منظومته، ثم تطوير البعد الثقافي و الاجتماعي للجهة كعنصر مميز لها وضامن لتكاملها .
الأكيد أنّ من غير الصواب الحديث عن مشاريع جهة درعة-تافيلالت على بعد سنتين من تنزيلها، إلا انه من الأجدى إبراز مظاهر فشل التقطيعات الجهوية  السابقة، و إظهار أهم المشاكل التي تعوق برامج التنمية و انعكاساتها على سيرورة تطوّر المنطقة، من اجل العمل على عدم الوقوع في نفس أخطاء التدبير الجهوي السابق. إذ تتجلى في النقص الحاد في خدمات القطاعين الحيويين الصحة و التعليم، ثم عزلة الجهة رغم أهميتها السياحية، جراء انعدام محاور طرقية كفيلة بتقليص المدة الزمنية المستغرقة بين الجهة ومختلف مناطق المغرب، ثم كذلك يُسجّل بشكل جلي محدودية عرض شبكة الطرق الداخلية بالجهة كمظهر من مظاهر التهميش و العزلة.

ابوبكر صابري، باحث في الجغرافية والتهيئة

مختبر الدراسات الجيو-بيئية والتهيئة والتنمية المستدامة

 جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس


هناك تعليقان (2):

  1. شكرا جزيلا للصديق والزميل الدكتور صابري الطيب على هذه المبادرة التواصلية والقراءة الأكاديمية المتقدمة والنوعية، والتي من شأنها أن تكون أرضية حقيقية تساهم في الدفع قدما للبحث العلمي الأكاديمي، وتحث الفاعلين بشتى مجالات تدخلاتهم من أجل التعريف وإبداء الحلول البديلة التشاركية والمستدامة، للرفع بالمجالات الواحية المغربية التي تحتضن عمق الجغرافيا والتاريخ والهوية الوطنية

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا للاستاذ الصديق نبيل بنتيري، على هذه الكلمات التشجيعية، نفتخر بك.

      حذف

Post Top Ad